الخميس، 31 أكتوبر 2013

قبيلة بني عامر


قبيلة بني عامر

مقام الشيخ جبارة العامري


مقام الشيخ جبارة العامري

تحتضن مدينة العريش في شبه جزيرة سيناء مقام لشيخ جليل من قبيلة بني عامر (الملالحة) وهو مقام الشيخ جبارة العامري , ويقع المقام وسط مدينة العريش , وقد ذكره نعوم شقير في كتابه "تاريخ سيناء" إذ يقول : " قبة الشيخ جبارة في جَبَّانة (1) العريش القديمة , قيل هو من أولياء البادية ويدّعي الملالحة أنه من أجدادهم " . (2)

وقد علق المؤرخ والنسابة فايز أبو فردة العامري على قول نعوم شقير "يدعي" حيث قال : " هذا ليس إدعاءً , بل هو الحقيقة , فهو (أي: الشيخ جبارة) جد الجبارات من قبيلة بني عامر (الملالحة) , وهم عشيرة كبيرة تضم عدداً كبيراً من الأفخاذ " . (3)

والشيخ جبارة نسبه معروف فهو من سلالة مزروع من بني عامر (الملالحة) وهم ينتسبون للصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه .

وقصة الشيخ جبارة العامري (4) وحسب ما هو متوارث عند قبيلة بني عامر (الملالحة) أنة كان يسكن مع قومه في منطقة سكرير جنوب يافا على الساحل الفلسطيني , وكان شيخاً جليلاً وإنساناً صالحاً معروف بالتقوى وعمل الخير وسيرته حسنه , وكان صاحب كرامات , وقصده سكان العريش شاكين طالبين منه المساعدة لمصبية ألمت بهم , وهي أن وحشاً ضخماً نزل ببلدتهم , فقد أقض مضاجعهم وأفزعهم وقام بقتل عدد من السكان وبأكل العديد من الأغنام, لدرجة أن الناس كانوا يخشون أن يردوا على بئر الماء خوفا من هذا الوحش .

وبعد سماع الشيخ جبارة العامري لشكوى أهل العريش , قرر الذهاب معم إلى بلادهم , وطلب العون من الله على قتل ذلك الحيوان الغريب , وتم له ما أراد فقد قُتل الحيوان على يده , ففرح أهل العريش وحمدوا الله وشكروا الشيخ على فعلته , وأستنجدوا به ألا يتركهم , وطلبوا منه أن يبقى عندهم ليكرموه على فعلته , ولبعد المسافة بين سكرير والعريش , فأجابهم إلى ذلك وبقي بين ظهرانيهم .

وتذكر المصادر بعد هذه الحادثة روايتان أحدها أنه بقي عندهم حتى توفي ودفنوه في جبانة العريش , والأخرى أنه مكث عندهم فتره ثم رجع لأهله في سكرير وتوفي هناك , وعلى كلٍ فقد بَنى أهل العريش في جبانة العريش مقام للشيخ جبارة تكريماً له , وهو يزار إلى عهد قريب , ويعتقد انه من أولياء الله الصالحين .

ومقام الشيخ جبارة العامري على شكل غرفة حجرية لها باب ويتوسط سقفه قبة , وقديماً كان المقام يضاء بالزيت أو الشموع , ويحرص الناس على زيارته تبركاً به , وبجواره مقبرة دعيت باسمه " مقبرة الشيخ جبارة " , وقد كانت مقبرة كبيرة , لكن مع زيادة السكان تم الزحف عليها ولم يبقى منها سوى أربع قبور وهم: قبر الشيخ جبارة العامري , وقبر احد جدود السواركة , وقبر احد سكان العريش , وقبر انويجي من أبو زخير من العوامرة .

وقد ذكر نعوم شقير أن مقام الشيخ جبارة قد رمم في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي إذ يقول : " وقد رمّم هذه القبة عثمان بك فريد أيام كان محافظاً للعريش وبني بجانبها سبيل ماء وكتب على حجر رخامي فوق باب القبة هذه العبارة : " هذا مقام الشيخ جبارة جدّده عثمان بك فريد محافظ العريش سنة 1317هـ " سنة 1899م . وبنى بجانب القبة سبيل ماء وقف له نصف ريال في الشهر لاحيائه . " (5)

إما الآن لم يتبقى من المقام أي أثر , فقد هدم وبُني مكانه ميدان سمي بميدان الشيخ جبارة , ويُعرف الميدان عند أهل العريش باسم ( ميدان الفواخرية ) نسبة لقبيلة تسكن هناك , وبني بجواره مسجد يدعى مسجد أبو بكر الصديق .


إعداد : الباحث حسام أبو العوايد العامري
وشكر خاص للأخ الباحث أيمن جاد الله العامري

...............................
المراجع:
(1) جَبَّانة : وهي المقبرة أو المدفن , وجمعها جبَّانات , يقال: شيَّعوا الجنازةَ إلى الجبَّانة .
(2) ( شقير , نعوم , تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها , بيروت دار الجيل , ط1 1991, ص 164 ) .
(3) (أبو فردة , فايز بن أحمد , من تاريخ القبائل في الأردن وفلسطين , دار ابن الجوزي , عمّان , 2005 , ق1 , ص 123) .
(4)  روى لي هذه القصة الأخ الباحث أيمن جاد الله العامري , وهي منشوره على الشبكة ضمن بحث بعنوان : بعض مساكن الأجداد لقبيلة بني عامر (الملالحة) .
(5) ( شقير , نعوم , مصدر سابق , ص 164 ) .

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

عادات الأكل عند قبيلة بني عامر (الملالحة)


عادات الأكل عند قبيلة بني عامر (الملالحة)
أعدها الباحث : حسام أبو العوايد العامري



عادات الطعام عند قبيلة بني عامر (الملالحة) يغلب عليها التقشف والبساطة، وخامات الطعام هى مما هو متاح من موارد شحيحة تجود بها البيئة الصحراوية.

وجبات الأكل:
الخبز واللبن والتمر هو الغذاء الرئيسى لأبناء قبيلة بني عامر (الملالحة) في البادية على مدار العام، إضافة إلى اللحم , وحين نقول اللحم إنما نقصد به لحم الغنم إذ أن من العيب لدى قبيلة بني عامر (الملالحة) تقديم لحوم الدجاج إلى الضيوف والوجبات الرئيسية هى:

1.فكوك الريق: وهو فى الصباح الباكر، وعبارة عن لقمة أو لقيمات تغمص فى الملح أو الزيت إن وجد.
2.الغداء: وهو وقت الظهيرة وقليلا ما يجتمعون عليه فى هذا الميعاد؛ لوجودهم فى المراعى والمزارع وإن وجدوا فهو يتكون من الخبز واللبن المخضوض الخالص من الزبد
3.العشاء :وتعتبر هذه الوجبة من الوجبات الرئيسية فى يوم العامري؛ حيث يجتمعون جميعا بعد الغروب وبعد يوم عمل شاق؛ سواء فى الرعى أو فى الزراعة وكعادة بني عامر دائما يتناولوا طعامهم طازجاً ويتكون العشاء عادة من الخبز واللبن.

أنواع الطعام:
•الخبز: وهو إما أن يكون خبزا مطهوا على الصاج وإما أن يكون خبزا مطهوا فى الأرض والأول يسمىٍٍٍ "الفراشيح" والثانى يسمى "اللبة".
•الفتة: وهى كل خبز تم تقطيعه إلى قطع صغيرة (ثريد) وخلطه بالغموص، سواء كان هذا الغموص من اللبن أو المرق، وهى غالب وجباتهم ومن النادر أن يتناولون طعامهم على غير هذه الطريقة.
المرقة: وهى الخبز مع اللبن المخضوض، مزودا عليه السمن المقطوع المطيب بالأعشاب البرية.
•المدهنة: وهى خبز اللبة مدهون بالسمن، ويؤكل على شكل قطع كبيرة غير مفتوت.
•الجريشة: من القمح أو الذرة يجرش بالمجرشة، ولا يطحن ناعما وعند الطبخ يضاف إليه اللبن.
•القلية: حبات القمح أو الذرة وتوضع فى ملة "أى توضع فى الرمال الساخنة من أثر النار" حتى تنضج وتؤكل.
•الفريكة: تؤخذ سنابل القمح الخضراء وتحمص ثم تفرك وتؤكل.
•العصيدة: عجينة من طحين القمحٍ تعجن بالحليب، وتطبخ ويوضع السمن عليها بعد النضج.
•المنسف: يقدم فى جميع المناسبات كقرى الضيوف والأفراح والأتراح؛ وهو عبارة عن لحم الخراف أو الماعز يقطع على المفاصل ويطبخ مع الماء والملح ثم يفت الخبز مع المرق ويوضع اللحم المقطع عليه.
•التحقق: وهو فى الولائم؛ إذ يوضع بعض لحم الذبيحة المقطع فى رغيف من الخبز الصاج ويقدم لمن يأكله وتكون هذه "حقته" أى حقه من الوليمة.
•اللصيمة: وهى عبارة عن البطيخ الصغير قبل نضجه (العجر) مشويا فى النار مع خبز اللبة والفلفل الأخضر وزين الزيتون يفت جميعا ويؤكل.
•السمك: وبعض القبائل تأنف من أكله، ويسمونه دود البحر وبعضهم خاصة أهل السواحل يأكلونه مشويا أو مطبوخا.
•المكبوس: وهو الأرز المطبوخ مع اللحم المقطع إلى قطع صغيرة.
•العجوة: وهى من الأغذية الرئيسية عندهم، وهم يأكلونها بين الوجبات أو كوجبات سريعة خاصة للأطفال.
•البزينة: وهى العجين المرافق يقطع إلى قطع صغيرة ويطبخ فى الحليب وبعد النضج يضاف إليه السمن.

الخضراوات:
بعض العوامرة يستعين ببعض الأعشاب الخضراء فى غذائه مثل الخبيزى والحمصيص واليق والرجلة واللوفة والرقيط ....الخ.

مشتقات الألبان:
اللبن من الأغنام والماعز والإبل هو أهم طعام فى حياة قبيلة بني عامر (الملالحة) ؛ لأنه هو الناتج الرئيسى من حيواناتهم التى تمثل عماد حياتهم وثروتهم ومن هذا اللبن اشتقوا كثيرا من الأنواع منها:

•حليب النياق (النوق) وهذا الحليب يشربونه طازجا ولا يشتقون منه شيئاً.
•اللبى: وهو حليب الأغنام والماعز فى الأيام الثلاث الأولى بعد الولادة يسخن حتى يجمد ويؤكل.
•الحليب: وهو ما تم أخذه من الضرع مباشرة وطازجا.
•الرايب: وهو الحليب يترك لمدة حتى يروب.
•اللبن:ٍ ويسمى أيضا الحامض أو المخضوض وهو خض الحليب الرايب حتى ينفصل الزبد عن اللبن.
•الزبدة: وهى ما انفصل من دسم عن اللبن.
•السمن: وهو الزبدة بعد قدحها على النار، ويضاف إليها بعض الأعشاب البرية ذات الرائحة الزكية عرفت منها الحندقوق والبعيثران ويسمونه (السمن المقطوع).
•الجميد: وهو الحليب الرايب المعزول منه ماؤه مضافا إليه الملح، وهو مجمد رطب.
•الكشك: وهو اللبن يعجن به قليل من الدقيق، يضاف إليه بعض الفلفلٍ ويجفف فى الشمس على هيئة أقراص صغيرة.
•المش: وهو اللبن مضاف إليه الملح والفلفل.

ما يقال عند فساد اللبن:
محمض (حامض): وتقال عند فساد الحليب.
مقرص (لاذع): وتقال عند فساد اللبن المخضوض.
معزول وتقال عند فساد اللبن الرايب.
اميص: وتقال عند زيادة ماء اللبن عن أصله.
كارف: وهو تغير طعم اللبن بأى طعم لطعام أو شئ آخر.
ممشش: اللبن به شئ من طعم المش نتيجة قدمه.

طرق حفظ الطعام:
أهم طرق الحفظ التى عرفتها قبيلة بني عامر (الملالحة) هى التمليح والتجفيف والتسخين؛ فعن طريق التمليح حفظوا وخزنوا الألبان كالجميد والكشك والمش، ومن خلال الطريقة ذاتها حفظوا اللحم والسمك، وعن طريق التجفيف حفظوا ثمار النخيل وخزنوه فى أوعية صنعوها من سعف النخيل، وعن طريق التسخين حفظوا السمن الناتج من ألبانهم، وهم فى هذه الطرق إنما استعانوا بالطبيعة التى حولهم؛ فالملح يأتون به من على السواحل المحيطة بهم والتجفيف استغلوا حرارة الشمس التى تلهب رمال الصحراء أيام صيفهم، وهم بحق أبناء الطبيعة من حولهم يروضونها لحاجاتهم كلما أمكن ويستمدون من معطياتها أسباب حيلتهم وعيشهم.

آداب الطعام:
عند قبيلة بني عامر (الملالحة) للمائدة آداب وعادات يمكن أن نلخصها فيما يلى:
•على الرغم من ندرة المياه فإن العامري كبير أو صغير، يحرص على غسل يديه قبل الأكل، ويقدم للضيف الماء للقيام بهذه العادة.
•إن الأطفال لا يتقدمون للأكل إلا بعد أن يفرغ الكبار من طعامهم، ويظل الأطفال قائمين على خدمة الكبار حتى يفرغوا من طعامهم، ولا تشارك النساء الرجال على المائدة.
•إن الأكبر سنا هو الذى يجلس أولا على المائدة، ثم الأقل سنا، وهكذا حتى يكتمل العدد المناسب على المائدة.
•الحديث على المائدة من الأمور المستحبة عندهم، وهم يتعمدون اختلاق أى حديث على المائدة.
•إن الشخص يأكل مما يليه من الطعام ولا يمد يده أمام غيره؛ إذ أن ذلك من العيوب الصارخة.
•من عيوب الطعام أن يقدم ساخنا جدا أو أن يقدم باردا جدا أو أن يكون زائد الملوحة وهم يقولون "أعذب الرجال، ولا تملح لها" أى أن يكون الطعام عذبا خيرا من أن يكون مالحا؛ إذ أن العذوبة يمكن تداركها، بإضافة الملح بينما الملوحة يستحيل تداركها.
•من العيب أكل "الفضلة"، وهى بقايا المائدة من الطعام ويرى العوامرة أن أكل الفضلة من صفات الحيوانات خاصة الكلاب.
•يأكلون الطعام بأيديهم، ولا يستخدمون غيرها، بل ومن المضحك فى عوائدهم أن يأكل العامري بملعقة.
•يشربون القهوة العربية المرة قبل الأكل وبعده والشائع أن يتناولوا قبل الأكل إن وجدت.
•وجود إناء شرب الماء بجوار المائدة شئ ضرورى يحرص العوامرة على وجوده بل إنهم يحضرونه قبل تحضير الطعام.
•تقطيع اللحم على المائدة أمام الضيف، وحثه على تناوله عادة متأصلة عند بني عامر يحرص عليها المضيف ويتعمد الأكل منه أمام الضيف ليطمئن على طعامه.
•الأكل أو الشرب بصوت مسموع من العيوب على المائدة يحرص العامري على تلافيها واستهجان من يأتيها.
• ملء الفم بالأكل بشكل يمنع الكلام هو من العادات السيئة لدى العوامرة ويرون أن من آداب الطعام أن يكون مضغة على جانب واحد من الفم.
•على الرغم من أن حالة العوامرة الاقتصادية قد تكون متواضعة يحرصون على تقديم طعام وفير للضيوف يزيد عن حاجتهم بكثير.
•اعتاد العوامرة ألا يأكلوا من ذبائحهم الكراش والرأس والأرجل ويرون أن ذلك لا يجوز للبدو الأحرار ويعيرون من يأكلها.
•مص العظام من العادات السيئة ويسمون الشخص الذى يفعل ذلك "مصاص عظام" وهى مجازا تطلق على الشخص الوضيع.
•يسرع البدوى فى أكله، ويقولون كل أكل الجمال، وقم قبل الرجال؛ أى كل بسرعة وبكثرة مثل أكل الجمال؛ حتى تتمكن من القيام بسرعة من على المائدة.
•من عاداتهم ألا يأكل الرجل إلا بيد واحدة هى اليد اليمنى، ومهما كان نوع الطعام ويسمون من يأكل بكلتا يديه "المهلوم".

آداب الانتهاء من الطعام:
•يحرص العامري ألا يقوم من على المائدة إلا إذا ابتلع الطعام الذى فى فمه ومن العيب أن يقوم من على المائدة وفمه مملوء بالطعام.
•يحرص العامري على أن يقوم من على المائدة قبل أن ينتهى الطعام ويقولون عادة الرجال تأكل وتخلى أى من عادة الرجال الأفاضل أن يأكلوا من الطعام ويتركوا لغيرهم طعام على المائدة.
•*من العادات السيئة أن ينثر الرجل يده من بقايا الطعام العلق بها عند انتهائه من الأكل بل إن مكان هذا التصرف هو عند غسيل يده.
•من عاداتهم عند الانتهاء من الأكل، والقيام من على المائدة قولهم الله يخلف عليك أو مخلوف بالحلال أو تجيبها إن شاء الله من وسع أما إذا كانت المائدة وليمة والذبيحة نذر إلى الله فإنهم لا يقولون العبارات السابقة بل يقولون عبارات مثل صدقة واصلة أو يجعله نذر السلامة أو يجعلها مفتاحا للخير ومغلاقا للشر.


أعدها الباحث : حسام أبو العوايد العامري

حوار صغير من أبل قبيلة بني عامر


حوار صغير من أبل قبيلة بني عامر



السبت، 31 أغسطس 2013

تل ومقام أبو هريرة


تل ومقام أبو هريرة
بقلم الباحث : حسام أبو العوايد العامري



يقع تل أبو هريرة المبني عليه المقام في النقب الفلسطيني , إلى الجنوب الشرقي من غزة على الضفة الشمالية من وادي الشريعة عند خط عرض 31° 22' 48'' وخط طول  34° 36' 30''. (1)

 

شكل رقم (1) : (خريطة تبين موقع تل أبي هريرة)

ووادي الشريعة يبدأ من جبال الخليل جنوبي غربي الظاهرية ثم يسير باتجاه غربي ماراً جنوبي تل أبي هريرة إلى أن يلتقي بوادي غزة قرب تل جمّه , حيث يسيران معاً حتى ينتهيا في البحر الأبيض المتوسط . (2)  أنظر الشكل رقم (2).


شكل رقم (2) : (خريطة تظهر مسار وادي الشريعة)

فمقام أبو هريرة موجود على التل الذي يحمل اسمه , وهو على يسار المسافر على طريق غزة – بئر السبع وعلى مسيرة 23كم من الأولى . يرتفع 136متراً عن سطح البحر . (3)

ويمكن للسائر على الطريق العام الذي يربط غزه ببئر السبع , و عندما يقترب من الجسر المقام على وادي الشريعة من الجهة الغربية , أن ينحرف إلى اليمين ويدخل طريقاً ترابية تسير بمحاذاة الجهة الغربية للوادي لمسافة 800 متر حتى يصل إلى مقام أبو هريرة . (أنظر الشكل رقم 1)


 شكل رقم (3) : (صورة لمقام أبو هريرة أُلتقطت في الثمانينات)

ومقام أبو هريرة عبارة عن غرفه صغيرة مبنية من الصخور وعليها قبة , والضريح موجود داخل هذه الغرفة , و الضريح كله يقع على تل مرتفع قليلا, ومزروع من حوله أشجار الكينيا الطويلة (4) , كما هو مبين في الأشكال رقم (3+4+5) .

شكل رقم (4) : (صورة لتل أبو هريرة والمقام في فصل الربيع )

وهو مقام يقدسه البدو ويزورونه في المواسم , وأكثر قبيلة تزوره هي قبيلة بني عامر (الملالحة) فهم يزورونه أيام عديدة وفي جميع الأوقات , وذلك لما توارثته هذه القبيلة أن الضريح الجاثي في المقام هو ضريح جدهم أبو هريرة , ويوجد حول المقام عدد من القبور القديمة (5) يعود جلها لقبيلة بني عامر (الملالحة) , حيث أعتاد العوامرة أن يدفنوا موتاهم بجواره .

شكل رقم (5) : (صورة لمقام أبو هريرة ويظهر فيها أن القبة تهدمت)

وقد ذكر المقام عارف العارف بقوله : (( صحابي له مقام على ضفاف شريعة بئر السبع . إن هذا المقام وإن كان مبنياً في أراضي التياها إلا أن (بني عامر) الملالحة يعتقدون فيه أكثر من غيرهم , ويقولون عنه إنه جدهم . فتراهم يزورونه في كل فرصة . ويذبحون في مقامه القرابين . ويكثرون من هذه الزيارة بعد حصد الزرع . إذ يعتبرونها في هذه الحالة فرضاً لازماً . حتى أنهم إذا أقعدهم عن زيارته مرض , أو حال دونها حائل قاهر ذبحوا قرابينهم حيث كانوا وأهدوا ثوابها إليه )) . (6)

وبالطبع إن ما ذكر عن أن هذا المقام للصحابي أبي هريرة قول لا يستند إلى أساس . فالصحابي المذكور مدفون في المدينة المنورة . (7)

قلت: هو مقام أقيم للصحابي أبو هريرة – رضي الله عنه - , أُقيم لإحياء ذكره .

ويورد النسابة فايز أبو فردة رواية بخصوص (مقام أبو هريرة) بقوله : " و (أبو هريرة) هذا ليس هو الصحابي المعروف , وإنما هو من أحفاده , وهو جد (قبيلة بني عامر) الملالحة وشيخهم في قصتهم مع الوالي العثماني في غزة . (8)

قلت: يتضح لنا من خلال هذه الرواية أن هذا الضريح (لأبو هريرة) لكنه ليس الصحابي المشهور , بل هو من سلالته , وقبيلة بني عامر (الملالحة)  - كما هو معلوم - تنتسب إلى الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي– رضي الله عنه – وليس غريباً أن يتسمى أحدهم باسمه فهم من سلالته . ولهذا الشيخ (أبو هريرة) قصة مع الوالي العثماني لا مجال لذكرها هنا .

ويكمل النسابة فايز أبو فردة : "وقد كانت هذه المنطقة – يقصد تل أبي هريرة وجوارها- من ديارهم القديمة" . (9)

قلت: يقصد بقوله "ديارهم" أي : ديار قبيلة بني عامر (الملالحة) وهي قبيلة عربية من قبائل الساحل الفلسطيني تستقر في ديارها من يافا شمالاً واسدود جنوباً وفي سيناء وديار غزة وبئر السبع . (10)


ويحتوي تل أبي هريرة بالإضافة إلى المقام المذكور على " تل أنقاض وجدار مبني باللبن وتحصينات منحدرة وشقف فخار " (11)
 , وأصبح التل يُعرف باللغة العبرية باسم (Tell Heror) .



      شكل رقم (6) : (صورة لتل أبو هريرة من القمر الصناعي)

وذكر لي عده أصدقاء قاموا بمشاهده المقام قريباً أنه قد هدم , وأن الغرفة التي ذكرتها هدمت كلها و لم يتبقى منها سوى كومه حجارة.

بقلم الباحث : حسام أبو العوايد العامري
الأردن

.....................................................
الـمراجـع:
(1)   خمار , قسطنطين , موسوعة فلسطين الجغرافية , منظمة التحرير الفلسطينية , مركز الأبحاث , بيروت , 1969م , ص 104 .
(2)   خمار , المصدر السابق , ص27  .
(3)   الدباغ , مصطفى مراد , بلادنا فلسطين , دار الهدى , ط 1991م , ق2 , ج1 , ص446.
(4)   رواية الأخ مسلم أبو عويلي الترباني .
(5)   رواية الأخ أيمن جاد الله العامري .
(6)   العارف , عارف , القضاء بين البدو , مطبعة بيت المقدس , 1933م , ص261 .
(7)   الدباغ , مصدر سابق , ص446 .
(8)   أبو فردة , فايز بن أحمد , من تاريخ القبائل في الأردن وفلسطين , دار ابن الجوزي , عمّان , 2005 , ق1 , ص123 .
(9)   المصدر السابق , الصفحة نفسها .
(10)  المصدر السابق , ص105 .

(11)  الوقائع الفلسطينية 1496.

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

الأحد، 28 يوليو 2013

عادات رمضان عند قبيلة بني عامر (الملالحة)


عادات رمضان عند قبيلة بني عامر (الملالحة)
بقلم الباحث: حسام أبو العوايد العامري




 نتحدث عن العادات والتقاليد المتلازمة مع شهر رمضان الكريم عند قبيلة كريمة من القبائل الفلسطينية الأصيلة وهي قبيلة بني عامر (الملالحة) , وعن كيفية استقباله عندهم , وجل هذه العادات قد تجدها عند القبائل البدوية , لكن هناك خصوصية للعوامرة , نبيّنها ونصف عاداتهم القديمة خلال شهر رمضان المبارك , والتي رغم تقادم الزمن وتغيره لا زالت تحمل نفس العبق والأصالة .

فلقبيلة بني عامر (الملالحة) المنتشره على طول الساحل الفلسطيني - من بصة الفالق شمالأ مروراً بروبين وسكرير وحتى العريش وبئر العبد جنوباً - عادات وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين خلال شهر رمضان الفضيل . فبالرغم من تسلل مظاهر الحياة الاجتماعية الحديثة إلى حياتهم لا يزالون يحتفظون بهذه العادات المتوارثة التي يستقبلون بها الشهر الكريم ويحييون بها لياليه .

ويجب أن نذكر قبل كل شي أن هناك ميزه عند قبيلة بني عامر (الملالحة) وعند القبائل البدوية عامة وهي معرفتهم بمطالع الشهور القمرية ومنازلها , وكذلك لديهم علم بمواقع وأسماء العديد من النجوم في السماء , التي يهتدون بها في مسيرهم ليلاً , خلافاً لما تنبئهم به من أحوال الطقس , فيقولون مثلاً " إذا شفت سهيل لا تامن السيل " , وسهيل نجم في السماء وعادة ما يترافق ظهوره مع نزول المطر , وخبرتهم هذه جاءت لطبيعة حياتهم ومساكنهم وما ألفوه من ترحال .

فهم يترقبون رؤية الهلال ليس في رمضان فحسب , بل ألفوا أن يرصدوا كل شهور السنة . لكن استطلاعهم لهلال رمضان له طبيعة خاصة لما يمثله الشهر الفضيل من قيمة لديهم ,  فهم يترقبوا الهلال بالصعود على مكان مرتفع ومشرف كالهضاب أو القمم الجبلية , أو من على السواحل - كون غالبية مساكنهم بجوار البحر - .

ولقبيلة بني عامر (الملالحة) مقولة – أُخذت من خلال تجربتهم - لم تخطئ أبداً هي قولهم أن "خامس الصوم صوم"  بمعنى: أنه إذا صام الإنسان في العام السابق مثلا يوم السبت فعليه أن يعد خمسة أيام ليكون الصيام هذا العام الأربعاء مثلاً . ومن مقولاتهم "يوم مسحركم يوم منحركم" بمعنى: أن اليوم الذي تتسحرون به يكون هو نفسه يوم عيد النحر (الأضحى) .

ومن عاداتهم قبيل حلول شهر رمضان بأن يقيموا مأدبة كبيرة في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان , وتدعى هذه الجمعة باسم " المطلة " , وتكون هذه المأدبة عادة عن روح أمواتهم ويسمونها " عشاء الميت " , وهي ذبيحة تذبحها أسرة أي متوفى مات خلال هذا العام ترحماً على روحه، حيث يتم الدعاء للمتوفى وقراءة الفاتحة على روحه ومن ثم تناول الطعام.

ولشهر شعبان خصوصية عندهم , فهم يسمونه " القْصَّيّْر " لتواتر مجيئه منقوص يوم أي 29 يوم , وفيه يوم يتسامح فيها الكبير والصغير ويطلقون عليه " يوم المسامحة " , وهو الخامس عشر من شعبان , وفيه يتسامح الناس من بعضهم أي  يطلبون الصفح والمسامحة , وهم في شعبان كذلك لا يتقدمون لخطبة النساء لإعتقادهم بحتمية فشل هذه الخطبة مستقبلاً , وكذلك لا يبدؤون بعمل "شقاق" بيت الشعر , أي لا يبدءون بصنع بيت الشعر فيه .

ومن تحضيراتهم لإستقبال الشهر الكريم كانوا يشترون المؤن التي تكفيهم طيلة الشهر من القرى المجاورة , أو من خلال البائعة المتجولين "الدواجين" , ومن هذه المشتريات "القمردين" على شكل ألواح , والتمر والقطين , والبن , وسكر قوالب – وكان منه على شكل إبريق بغلاف ازرق- , وعدس بلدي وغيره , وهم قديماً لا يعرفون الشاي ولا يشربونه , بل كباقي البدو مشروبهم الرسمي هو القهوة العربية , ولكن تسللت عادة شرب الشاي أيام الإحتلال الإنجليزي للبلاد .

وعند ثبوت الرؤية لهلال الشهر الكريم , يتجهز العوامرة للصيام ويعقدون النية لصيامه وقيامه , وفي وقت السحور يستيقظون بمفردهم قبيل الأذان , ولم يكن هناك من يوقظهم , لأن نمط حياتهم يفرض عليهم الإستيقاظ مبكراً , فهم معتادين على ذلك . وهم يستدلون على مواعيد الإفطار والسحور بحركتي الشمس والنجوم حيث لم يكن موجودا لديهم مذياع أو تلفاز أو كهرباء فكانوا يستدلون على موعد أذان المغرب بمراقبة الشمس بالعين المجردة والاستدلال على وقت الغروب فيفطرون، كما كانوا يستدلون على مواعيد السحور والإمساك بمراقبة حركة النجوم وتحديد موعد أذان الفجر.

ويحرص كل فرد من أفراد القبيلة طوال شهر رمضان المبارك على الإفطار سوية في ديوان شيخهم كبير العشيرة ويصطحبون معهم أطفالهم لتعويدهم علي العادات والتقاليد السائدة‏ , ولزاماً على كل فرد منهم إحضار إفطاره معه , مما تيسر من أنواع الطعام لديه , وتوضع كل الاطباق على مأدبة كبيرة .

ويسبق إعداد الإفطار إشعال النيران والمواقد المتوهجة حتى يقبل عليها الضيوف أو عابري السبيل , ويتوافدون على ديوان الشيخ , ويكون للضيف إهتمام خاص حيث تترك له مائدة مستقلة‏.‏

ثم تتم مراقبة غياب الشمس لمعرفة موعد الإفطار , ولم يكن في ذلك الزمان ميكروفون ولا تيار كهربائي ، فعندما يرون غياب الشمس يقول أحدهم " أوجبت " أي حان وقت الإفطار , وقد يسمعون صوت مدفع من القرى المجاورة , ويتحاشد الأولاد عادة لمشاهدة غروب الشمس وإذا غربت ينطلقوا معلنون بذلك , فيقوم المؤذن برفع الآذان ، ثم يشربون الماء ويتناولون التمر ، ويصلون صلاة المغرب جماعة ، ثم يقبلون على طعام الإفطار , ويجلس كل فرد في أقل مساحة ممكنة حتى يكون هناك متسع لآخرين‏,‏ فيأكل كل فرد من جميع الأطباق الموجودة دون فارق‏.‏حيث يتناول الغني طعام الفقير ويتناول الفقير طعام الغني‏.‏ وهذا من صور التكافل الاجتماعي لديهم في الشهر الكريم . (*)

أما بقية البيوت فكانوا يتبادلون آنية الطعام بينهم ، قبيل موعد الإفطار ، والجدير بالذكر هنا أن مساكنهم كانت قريبة من السواحل وبعيدة عن المدن وبالتالي ليس قريبون للمساجد ، ولذلك كانوا يقيمون الصلاة جماعة في ديوان شيخهم . أما صلاة الجمعة فكانوا يذهبون إلى المساجد الموجودة في القرى الكبيرة أو المدن الأقرب لتجمعاتهم . (*)

ومعظم طعام العوامرة في رمضان مكون من اللحم , ويعد "المنسف" من أشهر الأطعمة التي يتناولوها في رمضان. وهو عبارة عن فتة لحم يكثر فيها الخبز ولا تضاف لها خميرة، ومن أطعمتهم الثريد وهو مكون من الدقيق واللحم. وتعتبر الفتة –  سواء مع اللحم أو السمن أو الحبوب كالعدس - عنصر أساسي على موائدهم تكاد لا تخلو منها مائدة , ومن طعامهم كذلك الفطائر المصنوعة من الطحين والسمن , ويستخدم السمن البلدي الحيواني والزبد في طهي الطعام , وهم لا يأكلون السمك في رمضان‏.‏ ويحرصون أن يتماشى طعامهم مع الظروف الجوية والمناخية ودرجة حرارة الجو في رمضان، وبما يقيهم العطش والبرد أو الحر في النهار. ففي الشتاء والخريف كانوا يعتمدون في أكلاتهم على الأغذية الجافة التي تعطي الطاقة مثل العدس، وفي الصيف على عجر البطيخ (وهو البطيخ الصغير فى مراحل نموه الأولى) ، وفي الربيع كانوا يعتمدون على لبن الماعز.

والعوامرة لا يأكلون على موائد مرتفعة لاعتقادهم أنه لا يجب أن يكونوا أعلى من الطعام، وأن الأكل على موائد منخفضة سنة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم- وكذلك الأكل باليد اليمنى , فهم لا يستخدمون الملاعق في تناول الطعام.

والتكافل الاجتماعي أهم ما يميز المجتمع العامري والبدوي عامة , حيث تتكفل القبيلة بسد احتياجات المحتاجين والفقراء من أهلها , ففي هذا الشهر الكريم تجمع الزكاة وتوزع على المحتاجين من أبناء القبيلة .

ومن صور التسامح لديهم في الشهر الكريم إيقاف جميع المشاكل , والقضاء العرفي يقف تماما في هذا الشهر , ويحاول القضاة العرفيين إنهاء أي خصومات قبل قدوم الشهر , حيث يتم إرسال بعض المقربين من طرفي النزاع لتقريب وجهة النظر لإنهاء الخلاف أو التعهد بعدم تعدي أي طرف على آخر خلال شهر رمضان حتى يتم عقد مجلس عرفي لإنهاء الخلاف ويطلق على ذلك اسم (عطوة). والمجالس العرفية تعقد بعد عيد الفطر بستة أيام .

وبعد أن يتناول العوامرة الإفطار ويؤدوا صلاة العشاء والتراويح , يحتسون القهوة ، ويتسامرون ويتحدثون لفترة طويلة من الليل في ديوان شيخهم , و عند إقتراب العيد يحتفلون بقدومه بعقد حفلات للسمر يرددون فيها الأشعار والأغاني البدوية كما يقوم الرجال بالأداء الحركي المصاحب للغناء بما يطلق عليه الدحية والمربوعة والبدع والرزع، وهي احتفالات مقتصرة على الرجال دون النساء.

أما النساء فإنهن يحرصن على زيارات بعضهن البعض , وتقوم الأسر العامرية بتنظيم زيارات في شهر رمضان لبناتهن ممن تزوجن وارتحلن مع أزواجهم ليشعر أصهارهم بمكانة الابنة وقدرها عند أهلها .

كتبه الباحث: حسام أبو العوايد العامري


ملاحظة : الفقرات المنتهية بعلامة النجمة (*) مقتبسة من بحث بعنوان  " عادات وتقاليد بني عامر " للباحث الأخ " أسد الدين الصقري " نشر قبيل رمضان العام 1432ﻫ/2011م .