قبيلة
بني عامر الدوسية في صدر الأسلام
بقلم: الباحث
حسام أبو العوايد العامري
قبيلة بني
عامر الدوسية كانت هنا ضمن دوس , وهنا نذكر ما مرت به دوس في صدر الإسلام , ونذكر
جد قبيلة بني عامر أبو هريرة الدوسي والأحداث التي عاصرها.
دوس
في صدر الإسلام
كانت دوس
على بقية من دين إبراهيم عليه السلام، فكانوا يعظمون البيت ويطوفون به، ويحجون
ويعتمرون، ويقفون بعرفة ومزدلفة، ويهدون البُدَن (1) , ولكنها كعادة العرب تعبد
الاصنام قبل ظهور بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت دوس كغيرها لديها صنمين
واحد يقال له ذو الخلصة بوادي ثروق والثاني ذو الكفين في نفس المنطقه, وكان ذو
الخلصة يعبد من قبل خثعم وبجيله اضافه الى دوس, قال ابن إسحاق: "وكان ذو
الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة"
وفي صحيح
البخاري أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب
أليات نساء دوس على ذي الخَلَصَة" (2) ، أي يعبدونه كما كانوا يعبدونه في
الجاهلية.
وقد بعث
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى ذي الخلصة جرير بن عبد اللَّه البجلي فهدمه (3)
, وقال ابن حبيب: "وكان ذو الكفين لخزاعة ودوس" (4) . فلما أسلموا بعث
النبي صلى الله عليه وسلم الطفيل ابن عمرو الدوسي فحرّقه، وهو يقول:
يا ذا
الكفين لست من عُبّادكا
ميلادنا
أكبر مـن ميلادكـا
إني حشوت
النار في فؤادكا (5)
مقتل
ابي أزيهر الدوسي
ومن
الحوادث التي حدثت في صدر الإسلام حادثة أبي أزيهر الدوسي, فقد كان ابو ازيهر
حليفا لأبي سفيان بن حرب الأموي القرشي ، وأخوال أبي سفيان من دوس ، وكانا يجلسان
معا في قبة يصلحان بين من حضر إليهما ، وقد تزوج أبو أزيهر عاتكة بنت ابي سفيان ،
وزوج بنته زينب عتبة بن ربيعة والأخرى الوليد بن المغيرة ولكنه بلغه انه غليظ على
النساء فامسكها عنه ، وسبب ذلك انه قال :
انا اشرف
ام ابوك ؟
فقالت : بل
ابي لأنه سيد أهل السراة ، والعرب يصدرون عن رايه ، وانما انت سيد بني أبيك ،
وفيهم من ينازعك الشرف. فلطمها فهربت الى أبيها. فلما نزل الناس سوق ذي المجاز نزل
أبو أزيهر على ابي سفيان ، فأتى بنو الوليد بن المغيرة فقتلوه ، وكانت بنته عند
أبي سفيان ، وكان ذلك بعد الهجرة ، ووقعة بدر ، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حسان بن ثابت وأمره بهجاء المطيبين ، فانبعث يحرض في دم ابي أزيهر ويعيَر ابا
سفيان خفرته وجبنه فقال:
غدا اهل
ضوجي ذي المخاز بسحره وجار ابن حرب بالمغمس ما يـدو
كساك هشـام
بـن الوليـد ثيابـه فأبل واخلـق مثلهـا جـددا بعـد
قضى وطرا
منه فأصبـح ماجـدا وأصبح رخوا ما تخب وما تعـدو
فلـو ان
أشياخـا ببـدر شهـوده لبـلَ نحـور القـوم معتبـط ورد
وما منع
العير الضـروط ذمـاره وما منعـت مخـزة والدهـا هنـد
فلما بلغ
قوله يزيد ابن ابي سفيان جمع قومه ، فلما علم ابو سفيان جاءه وكان فيؤ مكة فنزع
اللواء من يده وقال: قبحك الله أتريد أن تضرب قريشا بعضها ببعض في رجل من دوس ،
سنوتيهم الدية إن قبلوها ، وإنما أراد حسان أن يضرب بعضنا ببعض ، وخلفنا عدو شامت
( يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ثم إن ضرار
بن الخطاب خرج في نفر من قريش بعد إسلام أهل الطائف إلى أرض دوس فنزل على مولاة
لهم تدعى أم غيلان ، تمشط النساء ، وتجهز العرائس ، فأرادت دوس قتل ضرار وقومه
فمنعتهم أك غيلان ، ونسوة معهها ، فقال ضرار ابن الخطاب في ذلك :
جزى الله
عنَا أم غيلان صالحـا ونسوتها إذ هن شعث عواطـل
فهنَ دفعن
الموت بعـد اقترابـه وقد بـرزت للثائريـن المقاتـل
دعت دعوة
دوسا فسالت شعابها بعز وأدتهـا الشـراج القوافـل
وعمرا جزاه
الله خيرا فما ونـى وما بردت منه لـدي المفاصـل
فجردت سيفي
ثم قمـت بنصلـه وعن أي نفس بعد نفسي أقاتـل
وارسل ابو
سفيان مائتي ناقة دية لأبي أزيهر مع ضرار وقومه فقبل رهط ابي أزيهر الدية ، ولما
اراد ضرار وقومه الانصراف شدَت عليهم الغطاريف والنمر ودوس ( والجميع يرجع في دوس)
فقتلوا بعضهم ، ونجا بعضهم ، منهم ضرار فإن ام غيلان أخرجت بناتها حسرا دونه ،
وقالت: إني قد أجرته ، وحرماتكم حسر دونه ، فإن شئتم فاهتكوا الستر ، واستحلوا
حرمته ، فتركوه لها ، فانصرف وقال شعرا يمدحها . ولكن حسان استمر في تحريض دوس
ومما قال:
إن تقتلوا
مائة به فدنية = بأبي أزيهر من رجال الأبطح
فلم ترضى
دوس حتى اغارت على قريش فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وخسرت قريش اكثر من ستين قتيل من
خيرة فرسانها واجبروا قريش على دفع الجزية لدوس وقال شاعر من دوس:
ألا أبلغا
حسان أعني ابن ثابت بأنا ثأرنا من قتيل المضيـح
ثلاثين من
أبناء فهر بن مالك وعشرين الا واحد لـم يتيَـح
تركنا سراة
الحيً تيما وعامر اوسهما ومخزوما كشاء مذبح
ووضعت دوس
خراجا على قريش لما طلبوا الصلح ، وقال في ذلك سراقة الأكبر بن مرداس الدوسي من
قصيدة :
فلما ان
قضينا الدين قالـوا نريد السلم قلنا قـد رضينـا
وضعنا
الخرج موظوفا عليهم يؤدون الإتـاوة صاغرينـا
لنا في
العير دينـار مسمـى بـه حـزُ الحلاقـم يتقونـا
ولولا ذاك
ما جالت قريـش شمالا في البـلاد ولا يمينـا
وبقيت قريش
تؤدي هذه الاتاوة ( الجزية) لدوس حتى ظهر النبي صبى الله عليه وسلم فطرحها (
الغاها) فيما طرح من سنن الجاهلية.
ويظهر ان
مقتل أبي أزيهر – وقد حدث بعد ظهور الاسلام وكان من الامور التي استغلتها ( الدعوة
الاسلامية ) للايقاع بين قريش وبين دوس ، فهذا حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى
الله عليه وسلم (6) يحرض دوسا على الطلب بثأر أبي أزيهر في قصيدة جاء فيها
يا دوس إن
أبا ازيهر أصبحت أصداؤه رهن المضيح فاقدحي
حربا يشيب
لها الوليد وإنمـا يأتي الدنيَة كل عبـد نحنـح
فابكى أخاك
بكل أسمر ذابـل وبكل أبيض كالعقيقة مصفـح
وبكل
صافيـة الأديـم كأنهـا فتخاء كاسرة تـدق وتطمـح
وطمرة مرطى
الجراء كأنهـا سيد بمقفرة وسهـب أفيـح
إن تقتلوا
مائـة بـه فدنيَـة بأبي أزيهر من رجال الأبطح
(7)
وكانت
قبيلة دوس سباقة الى الاسلام بل كانت من اركان قوة الاسلام ومن احب القبائل الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتهر منهم رواة حديث وقضاه وعلماء وقاده وابطال
غيروا مجرى تاريخ الحروب والفتوحات الاسلامية.
وفي عام
617ميلادي (6 قبل الهجرة) أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي وهو من أوائل السابقين إلى
الإسلام ، وكان الطفيل رجلا شريفا في قومه شاعرا لبيباً, وأسلم قبل الهجرة النبوية
بمكة في السنة السابعة من البعثه النبوية( 617 م) ( 6 ق.هـ) . ثم لحق بالرسول
بالمدينة بعد معركة أحد وأقام فيها، وإستشهد في حروب الردة بمعركة اليمامة.
فأما
الطفيل بن عمرو الدوسي* وأبو هريرة الدوسي** رضي الله عنهما فمن بني سليم بن فهم
بن غنم بن دوس وكان قومهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في بلاد دوس باليمن. (8)
جد
قبيلة بني عامر أبو هريرة الدوسي
ونأتي الآن
على ذكر الصحابي الجليل أبو هريرة الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
من بني سليم بن فهم بن غنم بن دوس وكان من أوائل الذين أسلموا على يدي الطفيل بن
عمرو بعد زوجة الطفيل وأبيه (9) . وهو من كبار الصحابة, وكان من أميز أصحاب رسول
الله صلي الله عليه وسلم في نقل سنته وسيرته العطرة حتى كني براوية الإسلام, فقد
أجمع أهل الحديث أن أبا هريرة أكثر الصحابة روايةً وحفظاً لحديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم . اسمه في الجاهلية عبد شمس, ولما أسلم أسماه رسول الله صلى الله
عليه وسلم عبد الرحمن بن عامر الدوسي نسبة إلى قبيلة دوس بن عدثان بن عبد الله بن
زهران من الأزد من قحطان
نسب
أبو هريرة:
هو عبد
الرحمن بن عامر بن عبد ذي الشري بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن
ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن
الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد
بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (10)
ويمكن
إكمال نسبه لآدم كالآتي:
قحطان بن
عابر (النبي هود عليه السلام) بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح (عليه السلام) بن
لمك بن متوشلخ بن اخنوخ (النبي إدريس عليه السلام) بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن
انوش بن شيث بن آدم أبو البشر.
وقد ولد في
بلاد دوس في اليمن عام سنة 19 قبل الهجرة )599م( ، وهاجر عام خيبر في المحرم سنة
سبع من الهجرة إلى المدينة أثناء فتح خيبر أي بعد إسلامه بعشر سنوات.
أسلم أبو
هريرة في دوس على يد الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه في السنة السابعة من
البعثه النبوية( 617 م) ( 6 ق.هـ) ، وهو وحده الذي أجاب دعوة الطفيل بن عمرو
الدوسي - بعد أبي الطفيل وزوجه - عندما دعا الطفيل قبيلته دوسًا إلى الإسلام (11)
، وكان عمره عند إسلامه ستة عشر سنة , وقدم مع الطفيل بن عمرو الدوسي إلى الرسول
في مكة عندما طلب الطفيل من رسول الله أن يدعو على دوس، وقال أبو هريرة عندها
"هلكت دوس" ولكن النبي قال"اللهم اهد دوسًا (12)
وظل مسلماً
عشر سنين في ارض قومه دوس إلى ما بعد الهجرة بست سنين حيث وفد مع جموع من قومه على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة , فهو هاجر عام خيبر في المحرم سنة سبع من
الهجرة إلى المدينة أثناء فتح خيبر أي بعد إسلامه بعشر سنوات
جد
قبيلة بني عامر الدوسية في عهد رسول الله
وكان أبو
هريرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم , لابثاً بجواره ملازماً له , يتلقى
العلم بيد يدي أشرف معلم.
فقد كانت
حياته حافة بالعلم والجهاد فقد شارك بعد هجرته إلى المدينة جميع الغزوات مع الرسول
, أول معركة شهدها أبو هريرة بعد هجرته هي معركة خيبر , فقد أورد البخاري نصوصاً
كثيرة في شهوده خيبر , منها ما يشير إلى حضوره بعد فتحها , وبعضها يشير إلى حضوره
بعض قتالها . (13)
ثم شهد أبو
هريرة عمرة القضاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم , التي كانت بعد الحديبية بسنة. (14)
وشهد غزوة
نجد المسماة ذات الرقاع في السنة السابعة (15)
وأعتمده
الرسول صلى الله عليه وسلم في بعث خاص لقتل رجلين من قريش , (16)
وشهد الفتح
الأكبر فتح مكة, إذ أورد البخاري جملة نصوص تدل على حضوره فتح مكة , (17) وكذلك
غزوة حنين (18) , وحصار الطائف. (19)
وشهد غزوة
تبوك (20) , شهد حرب مؤتـه مع المسلمين, (21)
وفي السنة
الثامنة للهجرة أمّر النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي على البحرين ,
وبعث مع أبا هريرة الدوسي مؤذناً , (22)
ومكث أبو
هريرة في البحرين سنة أو دونها (23) , ولما رجع العلاء رجع معه أبو هريرة, ففي
الطبقات (24) أن العلاء قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فولى مكانه ابان بن سعيد
بن العاص عاملا فيها,
في السنة
التاسعة للهجرة قد ثبت في الصحيح أن أبا هريرة قد حج مع أبي بكر , وكان ينادي في
الحج مع علي أن لا يحج بعد العام مشرك. (25)
جد
قبيلة بني عامر الدوسية أبو هريرة في عهد الخلفاء الراشدين
بعد وفاة
الرسول صلى الله عليه وسلم عاش أبو هريرة الدوسي -رضي الله عنه- عابدا ومجاهدا ،
لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة ، فقد شارك -رضي الله عنه- في حروب الردة مع أبي بكر
في السنة 11هـ 632م, حيث أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي قال :((أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم
إلا بحقها وحسابهم على الله, قال فلما كانت الردة قال عمر لأبي بكر تقاتلهم وقد
سمعت رسول الله يقول :كذا وكذا؟ فقال أبو بكر: والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة
ولأقاتلن من فرق بينهما, قال أبو هريرة فقاتلت معه)) (26)
وقد شهد
معركة اليرموك (27) , وفي السنة الرابعة عشرة من الهجرة وفي خلافة أبي بكر (28) ,
رجع أبا هريرة إلى البحرين مع العلاء , فأبا بكر أعاد العلاء بن الحضرمي على
البحرين (29) , وفي نفس السنة 14 هـ شارك أبو هريرة مع العلاء في فتح دارين, فقد
ذكر عن أبي هريرة قوله: "رأيتُ من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء لا أزال
أحبّه أبداً ، رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين !!
ثم كان أبو
هريرة بالبحرين أيضاً في أمارة قدامة بن مظعون عليها , ففي خلافة الفاروق عمر ولى
قدامة بن مظعون الجمحي إمارة البحرين وبعث معه أبا هريرة إلى البحرين على القضاء
والصلاة. (30)
ففي السنة
21هـ 632م أمر الفاروق أبا هريرة على البحرين بعد هذا التدرج, قال أبو يوسف القاضي
صاحب الإمام أبي حنيفة حدثني المجالد بن سعيد عن عامر (وهو الإمام الشعبي) عن
المحرر بن أبي هريرة عن أبيه أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- دعا أصحاب رسول الله
–صلى الله عليه وسلم - فقال : إذا لم تعينوني فمن يعينني ؟ قالوا: نحن نعينك ,
فقال يا أبا هريرة آئت البحرين وهجر أنت العام , قال: فذهبت. ) (31)
وهذا النص
يرينا أن أبا هريرة كان من أعيان المسلمين وأهل الحل والعقد أيام عمر . (32)
فقدم أبو
هريرة من البحرين بعشرة آلاف, فقال له عمر : من أين هي لك؟ قلت: خيل نتجت، وغلة
رقيق لي، وأعطية تتابعت. فنظروا، فوجدوه كما قال: فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر
ليوليه، فأبى, فقال: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك: يوسف عليه السلام !
فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخشى ثلاثا واثنتين.
قال: فهلا
قلت: خمسا ؟ قال: أخشى أن أقول بغير حلم، وأقضي بغير حلم، وأن يضرب ظهري، وينتزع
مالي، ويشتم عرضي. (33)
وشهد غزوات
ارمينية وجهات جرجان , وأفاد ابن خلدون أنه كان مع أمير أرمينية عبد الرحمن بن
ربيعة زمن عثمان رضي الله عنه , (34)
وكان ممن
شارك في الدفع عن عثمان رضي الله عنه يوم الدار يدافع وينافح عنه ، حتى أمر عثمان
رضي الله عنه من عنده بالخروج .
وقد كان
أبو هريرة رضي الله عنه متقلداً سيفه ، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً : يا أبا
هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً و إياي ؟ قال : لا ، قال : فإنك والله إن قاتلت
رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً . قال أبو هريرة : فرجعت و لم أقاتل. (35)
و قال أبو
هريرة رضي الله عنه للذين حاصروا عثمان رضي الله عنه يوم الدار : إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنكم تلقون بعدي فتنة و اختلافاً ، أو قال :
اختلافاً و فتنة ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ فقال : عليكم
بالأمين و أصحابه ، و هو يشير إلى عثمان بذلك. (36)
وعن أبي
مريم قال: رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله ضفيرتان، وهو ممسك بهما وهو يقول: قتل
والله عثمان على غير وجه الحق, (37)
وبعد مقتل
عثمان –أي في زمن خلافة علي- كان يفتي بالمدينة, فعن زياد بن مينا، قال: كان ابن
عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر مع أشباه لهم، يفتون بالمدينة عن
رسول الله من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا، قال: وهؤلاء الخمسة إليهم صارت الفتوى.
اصطلح
وتعارف جمهور أهل المدينة على تقديم أبو هريرة للصلاة في كل العهود العلوية
والأموية. (38) , كما ورد في تاريخ الطبري عندما أرسل علي بن أبي طالب –رضي الله
عنه-جارية بن قدامة لأخذ البيعة لأمير المؤمنين نص " وأتى المدينة وأبو هريرة
يصلي بهم" (39)
وكان أبو
هريرة رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم إلى أن
توفي رضي الله عنه وأرضاه فلم يحضر معركة الجمل ولا صفين ، وهذا الذي وقع من أكثر
الصحابة رضي الله عنهم حيث اعتزل جُلُّهم الفتنة : كسعد بن أبي وقاص ، وعمران بن
حصين ، وابن عمر ، وكعب بن عجرة ، ومحمد بن مسلمة ، وأسامة بن زيد ، وأبو بكرة
الثقفي ، وأهبان بن صيفي ، وكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن اعتزل
الفتنة. (40)
الخاتمة
سردنا لكم
تاريخ قبيلة بني عامر الدوسية في صدر الإسلام ومررنا على ذكر دوس في الجاهلية
والإسلام, وذكرنا لكم تاريخ القبيلة في صدر الإسلام , وذكرنا رجالات من دوس ,
وترجمنا لجد القبيلة أبي هريرة الدوسي في الجاهلية والإسلام.
وكتبه
الباحث حسام أبو العوايد العامري
الأردن
23/1/2012
*هناك
ملحق رقم 1 يتحدث عن الطفيل بن عمرو الدوسي
**هناك
ملحق رقم 2 يتحدث عن أبو هريرة الدوسي
.....................................
المراجع:
1- الأصنام
6،13،14، والمحبر 311
2- أخرجه
البخاري (باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان- 6699) 6/2604
3-سيرة ابن
هشام 1/86
4- المحبر
318
5- الأصنام
37. وينظر: السيرة لابن هشام 1/385
6- سيرة
ابن هشام ص411-412/1
7- وانظر
البداية والنهاية والأغاني
8- الأنساب
للسمعاني 2/506
9- كتاب
الأنساب للسمعاني 2/506
10-
الاصابة في تمييز الصحابة ج7 ص376
11- ابن
حجر في الإصابة جـ1
12- صحيح
البخاري رقم الحديث 2937
13-
(البخاري 8/179 , 5/176 , 4/ 29 , 5/169)
14- (مغازي
الواقدي 2/733)
15- (مغازي
الواقدي 5/147)
16-
(البخاري 4/60/75) , مسند الإمام أحمد 15/206 , الدارمي 2/222)
17-البخاري
5/188 , 3/156 , 5/38)
18-
(البخاري 5/65) ,
19- (مغازي
الواقدي 3/936)
20-(معاني
الآثار 2/15 , دلائل النبوة ص357)
21-
(المغازي 2/760)
22- تاريخ
ابن عساكر 19/113/2
23-
(الأنوار الكاشفة ص224)
24- (ابن
سعد الطبقات 4/2/77)
25- (أنظر
صحيح البخاري تفسير سورة براءة)
26-
(المسند 1/181)
27- (تاريخ
دمشق ج47 ص429 , ولم أره لكن ذكره الاستاذ الخطيب ص117) (الإصابة 2/111)
28-
(الأنوار الكاشفة ص225)
29- (ابن
سعد الطبقات 4/2/77)
30- فتوح
البلدان ص 92-93
31- (كتاب
الخراج ص 114)
32- (دفاع
عن أبي هريرة ص139)
33- أخرجه
أبو نعيم في حلية الأولياء 1/380 ، وانظر : سير أعلام النبلاء للذهبي ( 2 / 612)
34- (تاريخ
ابن خلدون 2/1024)
35- أخرجه
ابن سعد في الطبقات ( 3 / 70 ) ، وخليفة بن خياط في تاريخه ص173
36- أخرجه
الإمام أحمد في فضائل الصحابة ص 450 – 451 ، وقال المحقق : إسناده صحيح . ابن
عساكر في تاريخ دمشق (ص374)
37- تحقيق
مواقف الصحابة (2/31)، تاريخ دمشق، ص493.
38- دفاع
عن أبي هريرة ص 154
39- (تاريخ
الطبري 106/4 ) (أبو هريرة راوية الإسلام ص111 ) ( أنساب الأشراف ص367/1)
40- تذكرة
الحفاظ 1/22
................................
ملحق
1
قصة
إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
في وسط هذا
الضلال الجاهلي والشرك المظلم بلغت دعوت التوحيد من مكة رجلا شريفاً شاعراً مليئاً
كثير الضيافة (1) هو الطفيل بن عمرو الدوسي , فأسلم الطفيل وتبع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بمكة ثم رجع إلى قومه من ارض دوس (2) . فدعا قومه , وكان فيهم أبو
هريرة (3) , فكان من أوائل الذين أسلموا على يدي الطفيل بن عمرو بعد زوجة الطفيل
وأبيه. أنظر فتح الباري 9/164 , (4)
تحذير
قريش له من الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن
إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يرى من قومه ، يبذل لهم
النصيحة ، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم ،
يحذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب
وكان
الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث : أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ،
فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له : يا
طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق
جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل
وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ،
فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا .
استماعه
لقول قريش ثم عدوله وسماعه من الرسول
قال :
فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني
حين غدوت إلى المسجد كرسفا فرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه
. قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند
الكعبة . قال : فقمت منه قريبا فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال : فسمعت
كلاما حسنا قال : فقلت في نفسي : واثكل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى
علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي
به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته
التقاؤه
بالرسول وقبوله الدعوة
قال :
فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل
بيته دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ،
فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله
إلا أن يسمعني قولك ، ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك .
قال : فعرض
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، وتلا علي القرآن ، فلا والله ما سمعت
قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه . قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت :
يا نبي الله ، إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ،
فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له
آية
الآية
التي جعلت له
قال :
فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل
المصباح فقلت : اللهم في غير وجهي ، إني أخشى ، أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي
لفراقي دينهم . قال : فتحول فوقع في رأس سوطي . قال : فجعل الحاضر يتراءون ذلك
النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال : حتى جئتهم
فأصبحت فيهم
دعوته
أباه إلى الإسلام
قال : فلما
نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال : فقلت : إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست
مني قال : ولم يا بني ؟ قال : قلت : أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ،
قال : أي بني ، فديني دينك ؟ قال : فقلت : فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى
أعلمك ما علمت . قال : فذهب فاغتسل ، وطهر ثيابه . قال : ثم جاء فعرضت عليه
الإسلام ، فأسلم .
دعوته
زوجه إلى الإسلام
( قال ) ثم
أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني ، قالت : لم ؟ بأبي أنت وأمي
، قال : ( قلت : قد ) فرق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد صلى الله عليه
وسلم ؟ قالت : فديني دينك ، قال : قلت فاذهبي إلى حنا ذي الشرى - قال ابن هشام :
ويقال : حمى ذي الشرى - فتطهري منه .
( قال ) :
وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، ( و ) به وشل من ماء يهبط من
جبل . قال : فقلت بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ، قال : قلت
: لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت .
دعوته
قومه إلى الإسلام وما كان منهم ولحاقهم بالرسول
ثم دعوت
دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ،
فقلت له : يا نبي الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم ، فقال : اللهم
اهد دوسا ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم . قال : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى
الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد
والخندق ، يقول الطفيل : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من
قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر . حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين
بيتا من دوس (5) ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ،فأتيناه قبل
الفتح بيوم أو بعده بيوم (6) , فأسهم لنا مع المسلمين
ذهابه
إلى ذي الكفين ليحرقه
ثم لم أزل
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال : قلت : يا
رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه . قال ابن إسحاق :
فخرج إليه ، فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول :
يا ذا
الكفين لست من عبادكا
ميلادنا
أقدم من ميلادكا
إني حشوت
النار في فؤادكا
جهاده
مع المسلمين بعد قبض الرسول ، ثم رؤياه ومقتله
قال : ثم
رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى
الله عليه وسلم . فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين ، فسار معهم حتى فرغوا من
طليحة ، ومن أرض نجد كلها . ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن
الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه : إني قد رأيت رؤيا
فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأنه لقيتني امرأة
فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حبس عني ، قالوا : خيرا ،
قال : أما أنا والله فقد أولتها ؟ قالوا : ماذا ؟ قال : أما حلق رأسي فوضعه ، وأما
الطائر الذي خرج من فمي فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ،
فأغيب فيها ، وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما
أصابني . فقتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجرح ابنه جراحة شديدة ، ثم استبل منها
، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا . (7)
............................
مراجع
ملحق 1 :
1- (ابن
سعد 4/237)
2-
(المستدرك 3/259)
3- (ابن
سعد 1/353)
4- كتاب
الأنساب للسمعاني 2/506
5- (ابن
سعد 4/239 , تاريخ البخاري 355/ج3/ق1)
6-
(المستدرك 2/33)
7- كتاب
سيرة ابن هشام ج1 ص: 383-386
وكتبه
الباحث حسام أبو العوايد العامري
23/1/2012
........................................
ملحق
2
الصحابي
الجليل أبو هريرة عبد الرحمن بن عامر الدوسي
(
19 ق.هـ - 57 هـ ) ( 599 -676 م )
كان من
أميز أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل سنته وسيرته العطرة راوية الإسلام
أبو هريرة رضي الله تعالي عنه, وكان اسمه في الجاهلية عبد شمس, وسماه النبي
صلي الله عليه وسلم في الإسلام عبد الرحمن, وهو دوسي, من بني دوس بن عدثان من
بطون الأُزد, والأُزد قبيلة يمانية قحطانية مشهورة, ونسبه معروف محفوظ إلى
الجد الأعلى لهذه القبيلة الأزد بن الغوث.
أبو هريرة
الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من بني سليم بن فهم بن غنم بن دوس
وكان من أوائل الذين أسلموا على يدي الطفيل بن عمرو بعد زوجة الطفيل وأبيه. (1) ,
وهو من كبار الصحابة, وكان من أميز أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل
سنته وسيرته العطرة حتى كني براوية الإسلام, فقد أجمع أهل الحديث أن أبا هريرة
أكثر الصحابة روايةً وحفظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . اسمه في
الجاهلية عبد شمس, ولما أسلم أسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن
عامر الدوسي نسبة إلى قبيلة دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران من الأزد من قحطان
نسب
أبو هريرة:
هو عبد
الرحمن بن عامر بن عبد ذي الشري بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن
ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن
الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد
بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (2)
ويمكن
إكمال نسبه لآدم كالآتي:
قحطان بن
عابر (النبي هود عليه السلام) بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح (عليه السلام) بن
لمك بن متوشلخ بن اخنوخ (النبي إدريس عليه السلام) بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن
انوش بن شيث بن آدم أبو البشر.
وقد ولد في
بلاد دوس في اليمن عام سنة 19 قبل الهجرة )599م( ، وهاجر عام خيبر في المحرم سنة
سبع من الهجرة إلى المدينة أثناء فتح خيبر أي بعد إسلامه بعشر سنوات.
سبب
كنيته:
يقول أبو
هريرة: إنما كنوني بأبي هريرة لأني كنت أرعي غنما لأهلي, فوجدت أولاد هرة
وحشية, فجعلتها في كمي, فلما رجعت إليهم سمعوا أصوات الهر من حجري,
فقالوا: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هرة وجدتها. قالوا: فأنت أبو
هريرة, فالزمتني بعد (3) فكنت أضعها بالليل في شجر، فإذا كان النهار ذهبت بها
معي، فلعبت بها فكنوني "أبا هريرة" (4) وكان يقول كذلك: كان رسول الله
صلي الله عليه وسلم يدعوني: أبا هر, ويدعوني الناس أبا هريرة (5) فكان يحب هذه
الكنية ويقول: لأن تكنوني بالذكر أحب إلى من أن تكنوني بالأنثى (6)
صفاته
الخلقية والأخلاقية:
كان يميل
إلى بياض البشرة, بعيد مابين المنكبين, أفرق الثنيتين, براق الثنايا, يخضب
لحيته بالحناء, يلبس الكتان , ويضفر رأسه. (7)
وكان رضي
الله عنه ورعا بعيدا عن الدنيا والأموال متقشفا, محبا للناس بتعليمه إياهم وحرصه
علي وعيهم, محسنا لجاره, بعيدا عن الضحك, متعبدا باكيا في أكثر من مجالسه,
أخذ القرآن الكريم عرضا عن أبي بن كعب, ثم صار معلما للقرآن فقرأ عليه أبو جعفر
يزيد بن القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة الأئمة, وقرأ عليه أيضا عبد
الرحمن بن هرمز الأعرج, وعن الأعرج أخذ القرآن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم
المدني.
وكان قواما
بالليل, فعن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعا, فكان هو وامرأته
وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا (8)
حال
أبي هريرة في الجاهلية
كان أبو
هريرة قبل أن يسلم يعيش فقيرًا معدمًا في بلاد دوس ، يقول عن نفسه: "نشأت
يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعُقْبَة رجلي،
فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل
الدين قوامًا، وجعل أبا هريرة إمامًا"
إسلامه
أسلم في
دوس على يد الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه في السنة السابعة من البعثه النبوية(
617 م) ( 6 ق.هـ) ، وهو وحده الذي أجاب دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي - بعد أبي
الطفيل وزوجه - عندما دعا الطفيل قبيلته دوسًا إلى الإسلام (9) ، وكان عمره عند
إسلامه ستة عشر سنة , وقدم مع الطفيل بن عمرو الدوسي إلى الرسول في مكة عندما طلب
الطفيل من رسول الله أن يدعو على دوس، وقال أبو هريرة عندها "هلكت دوس"
ولكن النبي قال"اللهم اهد دوسًا (10)
وظل مسلماً
عشر سنين في ارض قومه دوس إلى ما بعد الهجرة بست سنين حيث وفد مع جموع من قومه على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة , فهو هاجر عام خيبر في المحرم سنة سبع من
الهجرة إلى المدينة أثناء فتح خيبر أي بعد إسلامه بعشر سنوات
وقد أنقطع
الفتى الدوسي لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته فكان ملازماً للنبي صلى
الله عليه وسلم ملازمة تامة ، يصاحبه أينما حل وارتحل ، ويقضي معه معظم يومه ، كما
أخبر هو عن نفسه, فاتخذ المسجد مقاما والنبي معلما وإماما إذ لم يكن له في حياة
النبي زوج ولا ولد وإنما كانت له أم عجوز أصرت على الشرك فاستجاب الله دعاء نبيه
فيها فأسلمت.
شدة
حرصه على ملازمة رسول الله
"روي
عن أبي هريرة أنه قال: أقبلت مع رسول الله فسمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد الله الصمد
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } فقال: وجبت. فسألته: ماذا يا رسول الله؟
فقال: الجنة. فقال أبو هريرة: فأردت أن أذهب إلى الرجل فأبشره، ثم فرقت أن يفوتني
الغداء مع رسول الله، ثم ذهبت إلى الرجل، فوجدته قد ذهب. (11)
حياته:
كان للنبي
صلى الله عليه وسلم الأثر الأكبر في تنشئة وتربية أبي هريرة ، فمنذ أن قدم إلى
النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارقه مطلقاً، وخلال سنوات قليلة حصل من العلم عن
الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يحصله أحد من الصحابة جميعًا، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يوجهه كثيرًا، فعنه أن النبي قال له: "يا أباهريرة كن ورعا
تكن أعبد الناس"
وقد عانى
أبو هريرة بسبب انصرافه للعلم وانقطاعه لمجالس رسول الله ما لم يعانه من الجوع
وخشونة العيش روى عن نفسه يقول : آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي
على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على
طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا
ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا
ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم , فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي
وما في وجهي، ثم قال: (يا أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله, قال: (الحق). ومضى
فاتبعته، فدخل، فأستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال:(من أين هذا
اللبن). قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: (أبا هر). قلت : لبيك يا رسول الله,
قال: (الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي). قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون
على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا،
وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا
اللبن في أهل الصفة، كنت أحق فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني
من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا،
فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: (يا أبا هر). قلت: لبيك يا
رسول الله، قال: (خذ فأعطهم). قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى
يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يرتوي، ثم يرد علي القدح فيشرب
حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح
فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: (أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال:
(بقيت أنا وأنت). قلت: صدقت يا رسول الله، قال: (اقعد فاشرب). فجلست فشربت، فقال:
(اشرب). فشربت، فما زال يقول: (اشرب). حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له
مسلكا، قال: (فأرني). فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. (12)
إسلام
أمه
أمه : هي
الصحابية الجليلة أميمة بنت صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن
ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران
وقد كانت
أم أبو هريرة عجوزاً مصرة على الشرك, فكان لا يفتأ يدعوها إلى الإسلام إشفاقا
عليها وبراً بها فتنف منه وتصده . فيتركها والحزن عليها يفري فؤاده فريا . حيث روي
عنه أنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة. فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول
الله ما أكره. فأتيت رسول الله وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي
إلى الإسلام فتأبى علي. فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره. فادع الله أن يهدي أم
أبي هريرة. فقال رسول الله " اللهم ! اهد أم أبي هريرة " فخرجت مستبشرا
بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما جئت فصرت إلى الباب. فإذا هو مجاف. فسمعت
أمي خشف قدمي. فقالت: مكانك ! يا أبا هريرة ! وسمعت خضخضة الماء. قال فاغتسلت
ولبست درعها وعجلت عن خمارها. ففتحت الباب. ثم قالت: يا أبا هريرة ! أشهد أن لا
إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال فرجعت إلى رسول الله ، فأتيته وأنا
أبكي من الفرح. قال قلت: يا رسول الله ! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي
هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال قلت: يا رسول الله ! ادع الله أن
يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال فقال رسول الله "
اللهم ! حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين. وحبب إليهم
المؤمنين " فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلا أحبني. (13)
وكان يبر
أمه (14) , فكان يقول أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلي الله عليه وسلم:
للعبد المملوك المصلح أجران, ثم يقول والذي نفس أبي هريرة بيده: لولا الجهاد
في سبيل الله, والحج, وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك (15).
وقد أعطاه
النبي صلي الله عليه وسلم مرة تمرتين, قال أبو هريرة: فأكلت تمرة وجعلت تمرة
في حجري, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا أبا هريرة, لم رفعت هذه
التمرة؟ فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كلها, فإنا سنعطيك لها تمرتين,
فأكلتها وأعطاني لها تمرتين ( 16).
فضله
وعلمه
كان أبو
هريرة رضي الله عنه من علماء الصحابة وفضلائهم، يشهد لذلك رواية كثير منهم عنه،
ورجوعهم إليه في الفتوى، فقد روى عنه الكثير من الصحابة والتابعين، ووصل عددهم إلى
ما يزيد على ثمانمائة رجل , نذكر منهم من الصحابة: زيد بن ثابت، وأبو أيوب
الأنصاري, وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبي بن
كعب، وجابر بن عبد الله، وعائشة، والمسور بن مخرمة، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن
مالك، وأبو رافع مولى رسول الله ، وغيرهم من الصحابة..
ومن
التابعين روى عنه قبيصة بن ذؤيب، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد
الله بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وعطاء بن أبي رباح,
وعطاء بن يسار، ومجاهد، والشعبي، وابن سيرين، وعكرمة، ونافع مولى ابن عمر، وأبو
إدريس الخولاني، وغيرهم من التابعين رضي الله عنهم
وورد عنه
في الكتب التسعة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه وأحمد
ومالك والدارمي) ما يزيد على ثمانية آلاف وسبعمائة حديثٍ. وقد جمع أبو إسحاق
إبراهيم بن حرب العسكري المتوفى سنة 282 هـ مسند أبي هريرة وتوجد نسخة منه في
خزانة كوبرلس بتركيا كما ذكر صاحب الأدب العربي, وقد ذكر أبو محمد بن حزم أن مسند
بقي بن مخلد احتوي من حديث أبي هريرة علي خمسة آلاف وثلاثمائة حديث وكسر.
قال الامام
البخاري: روى عنه ثمانمائة نفس أو أكثر، وكما رووا عنه فقد رجعوا إليه في السؤال
والفتوى، ومنهم من قدمه في ذلك ووافقه فيما قال.
وكان أبو
هريرة صاحب أثر كبير في كل مَن حوله بما يحمله من كنوز عظيمة، وهي أحاديث النبي،
وقد أسدى للأمة خيرًا عظيمًا بنقله هذا الكمّ الضخم والكبير من أحاديث النبي. ومن
ذلك أنه مر بسوق المدينة، فوقف عليها فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم! قالوا: وما
ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله يقسَّم، وأنتم ها هنا لا تذهبون
فتأخذون نصيبكم منه. قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعًا إلى المسجد،
ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ قالوا: يا أبا هريرة،
فقد أتينا
المسجد فدخلنا فلم نرَ فيه شيئًا يُقسّم. فقال لهم أبو هريرة
أما رأيتم
في المسجد أحدًا؟ قالوا: بلى، رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرءون
القرآن،
وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة ويحكم! فذاك ميراث محمد.
وقال
الشافعي: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن الأشج، عن معاوية بن أبي عياش
الأنصاري، : أنه كان جالساً مع ابن الزبير، فجاء محمد بن إياس بن البكير، فسأل عن
رجل طلق ثلاثاً قبل الدخول، فبعثه إلى أبي هريرة، وابن عباس، وكانا عند عائشة،
فذهب فسألهما، فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة، فقد جاءتك معضلة،
فقال: الواحدة تبينها والثلاث تحرمها، حتى تنكح زوجاً غيره، وقال ابن عباس مثل ذلك
وعن
الزهري، عن سالم، أنه سمع أبا هريرة يقول: سألني قوم محرمون عن محلين أهدوا لهم
صيداً، فأمرتهم بأكله
وعن زياد
بن مينا، قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر مع أشباه
لهم، يفتون بالمدينة عن رسول الله من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا، قال: وهؤلاء
الخمسة إليهم صارت الفتوى
وقال
الذهبي: وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول: أفت يا أبا هريرة.
"وعن
أبي عثمان النهدي تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يقتسمون الليل
أثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يرقد ويوقظ هذا، قال : قلت : يا
أبا هريرة كيف تصوم؟ قال: أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث لي حادث كان
آخر شهري (17) (18)
سرعة
الحفظ و قوة الذاكرة
ان أبطال
الحروب من الصحابة كثيرون ، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون ، ولكن كان هناك قلة
من الكتاب ، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ،
وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها ، وانما يملك موهبة
تكمن في ذاكرته ، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة ، فعزم على تعويض ما فاته بان يأخذ
على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله الى الأجيال القادمة فهو يقول :( انكم لتقولون
أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتقولون ان المهاجرين
الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث ، ألا ان أصحابي من المهاجرين
كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق ، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم ، واني كنت
امرءا مسكينا ، أكثر مجالسة رسول الله ، فأحضر اذا غابوا ، وأحفظ اذا نسوا ، وان
الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال :' من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي
ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني ' فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته الي
فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه ، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم
بشيء أبدا ، هي :'
ان الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ، أولئك
يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون '
مقدرته
على الحفظ
أراد مروان
بن الحكم يوما أن يختبر مقدرة أبي هريرة على الحفظ ، فدعاه اليه ليحدثه عن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وأجلس كاتبا له وراء حجاب ليكتب كل ما يسمع من أبي
هريرة ، وبعد مرور عام ، دعاه ثانية ، وأخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كتبت ، فما
نسي أبو هريرة منها شيئا وكان -رضي الله عنه- يقول :( ما من أحد من أصحاب رسول
الله أكثر حديثا عنه مني الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص ، فانه كان يكتب
ولا أكتب ) وقال عنه الامام الشافعي :( أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره )
وقال البخاري :( روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل
العلم )
أبو
هريرة والحديث
أرسله
النبي مع من أرسل إلى البحرين مع العلاء الحضرمي المبعوث لجمع الصدقات وتوزيعها في
البحرين أو ما يعرف بالمنطقة الشرقية في جزيرة العرب حاليا. وكان بعث العلاء
للمنذر بن ساوى عامل الفرس على البحرين. حصل ذلك بعد توزيع مغانم غزوة حنين
الواقعة في ذي القعدة من السنة الثامنة للهجرة، وعليه فمكث أبي هريرة مع النبي
ثلاث سنوات.
كان أبو
هريرة في الواقع موسوعة ضخمة، فقد استوعب أحاديث رسول الله ، يقول عن نفسه صحبت
رسول الله ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن.
وقال رضي
الله عنه: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يعي
بقلبه وأعي بقلبي وكان يكتب وانا لا أكتب استأذن رسول الله في ذلك فأذن.
وقد مدحه
عبد الله بن عمر بن الخطاب مرة عند السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها
روى
النسائي: في باب العلم من سننه أن رجلا أتى إلى زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال:
عليك بأبي هريرة, فإني بينما أنا جالس وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو
الله ونذكره إذ خرج علينا النبي حتى حضر إلينا مسكنا فقال: عودوا للذي كنتم فيه.
فقال زيد: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله يؤمن على دعائنا، ثم
دعا أبو هريرة, فذكر القرآن إني أسألك ما سألك صاحبي وأسألك علما لا ينسى، فقال
رسول الله آمن، فقلنا: يا رسول الله نحن نسأل الله علما لا ينسى فقال بها الغلام
الدوسي. وهذا يدل على مدى شغل أبي هريرة وتلهفه على تحصيل العلم النبوي فكان شغله
الشاغل.
عن أبي
هريرة أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، قال رسول الله
لقد ظننت يا أبا هريرة أنه لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك
على الحديث, أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا قلبه
عن ابي
هريرة قال:"أوصاني خليلي بثلاث لا أتركهن حتى أموت صوم ثلاثة أيّامٍ من كلِّ
شهر وصلاة الضحى ونومٌ على وتر"
جهاده
شارك بعد
هجرته إلى المدينة جميع الغزوات مع الرسول , أول معركة شهدها أبو هريرة بعد هجرته
هي معركة خيبر , فقد أورد البخاري نصوصاً كثيرة في شهوده خيبر , منها ما يشير إلى
حضوره بعد فتحها , وبعضها يشير إلى حضوره بعض قتالها . (19)
ثم شهد أبو
هريرة عمرة القضاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم , التي كانت بعد الحديبية بسنة.
(20)
وشهد غزوة
نجد المسماة ذات الرقاع في السنة السابعة (21)
وأعتمده
الرسول صلى الله عليه وسلم في بعث خاص لقتل رجلين من قريش , (22)
وشهد الفتح
الأكبر فتح مكة, إذ أورد البخاري جملة نصوص تدل على حضوره فتح مكة , (23) وكذلك
غزوة حنين (24) , وحصار الطائف. (25)
وشهد غزوة
تبوك (26) , شهد حرب مؤتـه مع المسلمين, (27) وحرب الردة مع أبي بكر وعلي بعد وفاة
[الرسول] .أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي قال :((أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم
على الله, قال فلما كانت الردة قال عمر لأبي بكر تقاتلهم وقد سمعت رسول الله يقول
:كذا وكذا؟ فقال أبو بكر: والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة ولأقاتلن من فرق
بينهما, قال أبو هريرة فقاتلت معه (28).
وكذلك شارك
مع العلاء الحضرمي حين بعثه ابو بكر لحرب المرتدين , واشتراكه في معارك هجر في
البحرين وحصارها ثم فتح دارين. (29)
وقد شهد
معركة اليرموك (30)
وشهد غزوات
ارمينية وجهات جرجان , وأفاد ابن خلدون أنه كان مع أمير أرمينية عبد الرحمن بن
ربيعة زمن عثمان رضي الله عنه , (31)
ولم يكتف
أبو هريرة بهذا الجهد المتواصل والبذل والفداء , وإنما كان يتمنى المزيد , فأخرج النسائي
عنه أنه قال : "وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند , فإن أدركتها
أنفق فيها نفسي ومالي , فإن اقتل كنت من أفضل الشهداء , وإن أرجع فأنا أبو هريرة
المحرَّر ." (32) أي المعتق من النار .
وقد انصرف
أبو هريرة بعد اشتراكه في معركة اليرموك ومعارك جهات جرجان فيما يبدو إلى نشر
الحديث الذي حفظه ورعاه , وانصرف إلى العلم انصرافاً كلياً , وام أر ما يدل على
مشاركته في فتوح العراق أو مصر . (33)
أبو
هريرة وآل البيت
كان أبو
هريرة محباً لآل البيت النبي ، مجلاً لهم، عارفاً بفضلهم، مقدراً لقربهم من رسول
الله ، واعياً لوصاياه بهم، راوياً لكثير مما روي في فضلهم ومناقبهم، وحب النبي
لهم.
مواقفه
مع علي بن أبي طالب
روى سهل بن
أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله ، قال يوم خيبر: "لأعطين هذه
الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه" رسول الله علياً بن أبي
طالب، فأعطاه إياها، وقال: "امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك" قال:
فسار علي شيئاً، ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال:
"قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا
ذلك، فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (34)
عن المحرر
بن أبي هريرة عن أبي هريرة قال: "كنت مع علي بن أبي طالب، حيث بعثه رسول الله
إلى أهل مكة ببراءة، فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: قال كنا ننادي أنه لا يدخل الجـنة
إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فإن أجله، أو
أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله برئ من المشركين ورسوله،
ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك، قال: فكنت أنادي حتى صحل صوتي.
وقد بينت
هذه الرواية أنه كان بمعية علي رضي الله عنه في أداء هذه المهمة التي كلفوا بها من
قبل رسول الله. (35)
وعن أبي
رافع قال: قلت لأبي هريرة: إن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إذا كان بالعراق
يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون، فقال: كذلك كان رسول الله
يقرأ. (36)
وفي هذه
الرواية يذكر فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي الإتباع لرسول
الله في هذه المسألة والتأسي به فيها.
مواقفه
مع جعفر بن أبي طالب
روي عنه
رضي الله عنه أنه قال: وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا
فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي فيها شيء فنشقها فنلعق
ما فيها
(37)
عن المقبري
عن ابي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويحدثهم
ويحدثونه، وكان رسول الله يكنيه أبا المسكين . (38)
مواقفه
مع الحسن والحسين
روي عن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه قال: عانق النبي الحسن (39) , وفي رواية عنه عن النبي أنه
قال لحسن : " اللهم أني أحبه فأحبه , أحبب من يحبه" (40)
روى عنه
أنه قال: فما كان أحد أحب إلى من الحسن بن علي بعد ما قال رسول الله ما قال. (41)
وعن عمير
بن إسحاق قال: كنت أمشي مع الحسن بن علي في طرق المدينة، فلقينا أبا هريرة، فقال
للحسن: اكشف لي عن بطنك جعلت فداك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله يقبله، قال: فكشف
عن بطنه فقبل سرته. (42)
وعن عبد
الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله ومعه الحسن
والحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى
إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما، فقال: "نعم من أحبهما فقد
أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني" (43)
وعنه رضي
الله عنه قال: ما رأيت الحسين بن علي إلا فاضت عيني دموعاً، وذاك أن رسول الله خرج
يوماً فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، واتكأ علي فانطلقت معه، حتى جاء سوق بني
قينقاع، قال: وما كلمني، فطاف ونظر، ثم رجع ورجعت معه، فجلس في المسجد واحتبى،
وقال: "ادع لي لكاع" فأتى حسين يشتد حتى وقع في حجره، ثم أدخل يده في
لحية رسول الله ، فجعل رسول الله يفتح فم الحسين فيدخل فاه في فيه ويقول:
"اللهم إني أحبه فأحبه" (44)
مواقفه
مع فاطمة الزهراء
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :"فاطمة سيدة نساء أمتي" (45)
بعض
الأقوال فيه
ذكر ابن
سعد في الطبقات أن أبا هريرة حدَّث ذات مرة عن النبي بحديث (من شهد جنازة فله
قيراط)، فقال ابن عمر : " انظر ما تحدث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن
النبي فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة ,فقال : أخبريه كيف سمعتِ رسول الله يقول،
فصدَّقَت أبا هريرة، فقال أبو هريرة: يا أبا عبد الرحمن والله ما كان يشغلني عن
النبي غرس الوَدِيِّ، ولا الصفق بالأسواق، فقال: ابن عمر : " أنت أعلمنا يا
أبا هريرة برسول الله وأحفظنا لحديثه " وأصله في الصحيح.
وأخرج ابن
كثير في تاريخه عن أبي اليسر عن أبي عامر قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله، إذ دخل
رجل فقال: يا أبا محمد، والله ما ندرى هذا اليماني أعلم برسول الله منكم؟ أم يقول
على رسول الله ما لم يسمع، أو ما لم يقل، فقال طلحة: " والله ما نشك أنه قد
سمع من رسول الله ما لم نسمع، وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوماً أغنياء، لنا بيوتات
وأهلون، وكنا نأتى رسول الله طرفي النهار ثم نرجع، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا
أهل، وإنما كانت يده مع رسول الله وكان يدور معه حيث دار، فما نشك أنه قد علم ما
لم نعلم، وسمع ما لم نسمع " وقد رواه الترمذى أيضاً. وروى في فضائل الحسن
والحسين أكثر من حديث، وهو الذي كشف عن بطن الحسن، وقال: أرني أقبل منك حيث رأيت
رسول الله يقبل، وكان أبو هريرة ممن نصر عثمان يوم الدار كما نصره علي وابنه الحسن
والحسين.
وفاته
طال عمر
أبي هريرة بعد الرسول 47 عاما. ولما مرض أبو هريرة مرض الموت بكى فقيل له ما يبكيك
؟ قال أما أني لا أبكي على دنياكم هذه ولكنني أبكي لبعد السفر وقلة الزاد
لقد وقفت في نهاية طريق يفضي بي إلى الجنة أو النار ولا أدري .. في أيهما يكون ؟
وقد عاده
مروان ابن الحكم في مرضه الذي مات فيه فقال له شفاك الله يا أبا هريرة فقال اللهم
أني أحب لقاءك فأحب لقائي وعجل لي فيه فما كاد يغادر مروان داره حتى فارق الحياة.
رحم الله
أبا هريرة رحمة واسعة فقد حفظ للمسلمين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم و
جزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا .
وقد
تُوُفِّي أبو هريرة سنة 57هجرية ، وله ثمان وسبعون عاما ، في عهد خلافة معاوية بن
أبي سفيان توفي أبو هريرة بعد وفاة الرسول بـ47سنة ، ودفن بالبقيع في المدينة
المنورة سنة 676م /57ﻫ
وجاء في
رواية: وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة وفي القوم ابن عمر
وأبو سعيد الخدري وخلق، وكانت وفاته في داره بالعقيق، فٌحمل إلى المدينة، فصُلِّيَ
عليه ثم دفن بالبقيع ـ رحمه الله ورضي الله عنه ـ وكتب الوليد بن عتبة إلى معاوية
بوفاة أبي هريرة، وكتب إليه معاوية أن أنظر ورثته فأحسن إليهم، وأصرف إليهم عشرة
آلاف درهم، وأحسن جوارهم، وأعمل إليهم معروفاً، فإنه كان ممن نصر عثمان، وكان معه
في الدار.
..........................................
مراجع
ملحق2 :
1- كتاب
الأنساب للسمعاني 2/506
2-
(الاصابة في تمييز الصحابة ج7 ص376)
3- الحاكم
في المستدرك506/3
4- الترمذي
13/228
5-
المستدرك506/3
6-
المستدرك507/3
7- (ابن
سعد 4/333-334)
8- رواه
البخاري2037/5
9- ابن حجر
في الإصابة جـ1
10- صحيح
البخاري الرقم2937
11-
الألباني , صحيح الترغيب – رقم الحديث: 1478 صحيح
12-
البخاري رقم الحديث: 6452
13- مسلم ,
رقم الحديث: 2491
14-ابن
كثير: البداية 8/108
- 15(رواه
مسلم وأعقبه. قال: وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه,
لصحبتها).
-16 (
الطبقات لابن سعد329/4).
أحمد:
المسند 260/16 -17
- الإصابة
4/20918
19-
(البخاري 8/179 , 5/176 , 4/ 29 , 5/169)
20- (مغازي
الواقدي 2/733)
21- (مغازي
الواقدي 5/147)
22-
(البخاري 4/60/75) , مسند الإمام أحمد 15/206 , الدارمي 2/222)
23-
البخاري 5/188 , 3/156 , 5/38)
24-
(البخاري 5/65)
25- (مغازي
الواقدي 3/936)
26- (معاني
الآثار 2/15 , دلائل النبوة ص357)
27-
(المغازي 2/760)
28-
(المسند 1/181)
29- (دفاع
عن أبي هريرة ص53)
30- (تاريخ
دمشق ج47 ص429 , ولم أره لكن ذكره الاستاذ الخطيب ص117) (الإصابة 2/111)
31- (تاريخ
ابن خلدون 2/1024)
32-
(النسائي 6/42)
33- (دفاع
عن أبي هريرة ص55)
34- مسلم
7/121، كتاب فضائل الصحابة، وابن حبان: الصحيح 8/43، واللفظ لمسلم
35- أحمد:
المسند 15/133-134ن وصحل بفتح الصاد وكسر الحاء معناه: بح
36- ابن
حبان: الصحيح 4/104
البخاري
2/208 فضائل الصحابة، العكة: 37- وعاء من جلد يوضع فيه السمن.
38- ابن
ماجه: السنن 5/138
البخاري
2/216 39- مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.
40-مسلم
14/128, واحمد المسند: 7/129
41- ابن
حبان: الصحيح 8/56
أحمد:
المسند 14/195، وابن حبان: الصحيح 8/57-42
الحاكم:
المستدرك 3/166، وقال: حديث صحيح، ووافقه-43 الذهبي عليه وقوله: يلثم، أي:يقبل
44-
الحاكم: المستدرك 3/178، وقال حديث صحيح، ووافقه الذهبي عليه
45-
التاريخ الكبير للبخاري
وكتبه
الباحث حسام أبو العوايد العامري
23/1/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق