عادات
الزواج لدى قبيلة بني عامر (الملالحة)
تتميز عادات الزواج لدى قبيلة بني عامر
(الملالحة) بارتباطها بالحياة البدوية التي تحكمها موروثات بيئية واجتماعية, فهم
يفضلون الزواج المبكر , وحرصهم هذا نابع من أساس ديني ، فهم لا يتحرون عن جمال
ومال الفتاة بقدر ما يتحرون عن دينها وأصلها ونسبها وأخوالها، والزواج يتم عادة
بين أولاد العم وبنات القبيلة, وإلا الأقرب فالأقرب, وإن لم يكن من العائلة فمن
بطون وعشائر القبيلة. فأما تزويج القبائل الأخرى ، فكان ممنوعا البتة ، هذا ما كان
سابقا وأما اليوم وان بقي له بعض الأثر, إلا أن هذه العادة قد أخذت تتلاشى. ومن
عاداتهم القديمة في الزواج ألا يتزوجون بين العيدين ويعتبرون ذلك غير موفقا ويقد
يكون زواجا فاشلا.
وتكون الخطبة من والد الفتاة أو وليها, ويحضر مع
الشاب والده أو شقيقه الأكبر ووجهاء من عشيرته تسمى (الجاهه), فإذا وافق والد
العروس يناول الخاطب ما يسمي بـ (القصلة) -وهي عود أخضر - قائلا: ( هذه قصلة فلانة
على سنة الله ورسوله) فيتناولها الشاب ويقول: (قبلتها زوجة لي على سنة الله
ورسوله). ثم يقرأ الحاضرون الفاتحة .
ويضع العريس القصلة فوق رأسه على مريره (عقاله)
, ويباركون لهم وتزغرد النساء.
ولا يؤخذ رأي الفتاة البكر عادة , أما بالنسبه
للمرأه التي سبق لها وأن تزوجت فهي تشاور وتسأل ويحق لها مقابلة خطيبها .
ويترتب على مد القصلة تحديد قيمة
"السياق" أو "الفيد" ودفعه وهو المهر, وغالب مهورهم من الإبل
أو الحلال , ويتفاوت المهر بحسب قدرة العريس ودرجة القرابة بين الزوجيين فكلما
زادت درجة القرابة قل المهر والعكس صحيح والمهر يدفع لعائلة العروس تتصرف فيه كما
تشاء.
وكان العريس لا يرى عروسه ، وربما هي أيضا لم
تعلم إلا يوم تجهيزها, ويتم تأثيث بيت الزوجية ببساطه ؛ فالزوجة لا تتحمل أي أعباء
مالية اللهم إلا تطريز ثوب زفافها، وتقوم به بنفسها أما الزوج فلا يفرض عليه أي
شيء اللهم إلا ثوب وعباءة لعروسه, ويقولون الزواج ثوب وعباءة وقنعة "أي غطاء
الرأس" ووقاء " أي ثوب وعباءة وقناع" , وعلى العريس أن يعطى لأم
العروسة قعود الرضاعة "أي الجمل في سن الرابعة" وهو من الإبل دون السنة
الرابعة تكريما لها ومقابل قيامها بإرضاع زوجته في صغرها.
يحدد أهل العريس موعد العرس , وعادة يكون في أول
الشهر العربي , ويرسلون للأهل والأقارب والأصدقاء والجيران بموعد ليلة الزفاف,
والتي غالبا ما تكون ليلة الجمعة أو ليلة الاثنين، وقبل ليلة العرس تعلق الرايات
البيضاء ويلعب الرجال ليلاً ويعمرون السامر وتجرى سباقات الهجن والخيل أمام بيت
"المفرح" أي صاحب العرس, وفي يوم الفرح يأتي المهنئون يحملون الهدايا؛
وهى عبارة عن رأس من الغنم وشيء من الدقيق والقهوة وتسمى هذه الهدايا "القود"
, وأهل العريس ملزمون برد هذه الهدايا للمهدي في أقرب مناسبة سعيدة يقيمها .
وفى يوم الفرح يتكاتف الجميع وتظهر صور عديدة
للتعاون فيما بين أبناء قبيلة بني عامر (الملالحة) ، فالكل يشارك فى تجهيز الطعام
والقهوة وفى سباقات الخيل والإبل نهارا وفنون البدع والرزع والهجين والمربوعة
ليلاَ , ويستمر جو الطرب والمرح إلى وقت متأخر من ليلة الزفاف.
ومع الظهر أو حسب مضارب العروس يذهب العريس مع
سيدة مسنة كأمة أو عمته وبرفقة أحد أصدقائه مع مجموعة من الجمال تسمى (القطار) ,
لإحضار عروسة وفور رؤيتها تمسكها السيدة المسنة وتركبها على "الهودج"
على ظهر الجمل , ومنهم من إذ حانت ساعة الرحيل تمانع العروس وتبكي بشدة فهي لا
تريد مغادرة بيت الأهل , فيتم مسكها وتربيطها بحبل غليظ يدعى (الزمال). وينطلق
العريس يسوق الجمل يسابق الريح حيث أهله وأفراحه. ويودعها أبوها أو أخوها ، ولا
يحضر ذويها طعام الغداء أو وليمة الفرح ، وخاصة من رجال عشيرتها الأقربون مثل الأب
أو الإخوة ، حتى ولو كان العريس ابن عمها.
وفور رؤية ركب العريس تطلق النساء الزغاريد
وينزل العريس .ومن عاداتهم أن تقوم العروس عند مجيئها لبيت العريس بالإلتفاف ثلاث
مرات حوله وهي لا تزال في هودجها على ظهر الجمل, ثم يتم تبريك الجمل , وتأخذ
السيدة العجوز العروس وتدخل بها (البرزة) - وهي خيمة للعروسين بالقرب من خيام أهله
وتتم فيها مراسم الزفاف - , وتظل بجوارها وعند دخول العروس لبرزتها يقوم العريس
بذبح شاة وتسمى "الحلية" ومن تاريخ ذبح الحلية تصبح العروس زوجة لزوجها
.
كما كان أبناء القبيلة يحملون العريس ويصفقون له
وينشدون هتافات جماعية له ويسمونها (الزفة) ، ويلوح الشبان بالسيوف في ساحة
الاحتفال .
ومع ظلام الليل تبدأ وليمة العشاء فيتعشى الرجال
أولاً، ثم تتعشى النساء من بعدهم وينصرف الجميع إلى السامر ويدخل العريس على زوجته
في هدوء ودون أي مظاهر أو طقوس خاصة , وتطلب السيدة العجوز من العروس أن تقف
لعريسها , وذلك بإعتقادهم (من أجل أن السعد يقوم) أي أن تكون حياتهم ملؤها سعادة ,
وتمسك بواسط البيت ويتم إدخال العريس, ويسلم على عروسه .
وتبقى العروس في البرزه مدة سبع ايام لا تخرج
منها, أما العريس فيخرج في النهار ويذهب لأهله أو اصدقائه, ولا يعود للبرزه إلا
عند مغيب الشمس, ويجهز أهل العريس الطعام لهما . ومن مميزات المرأة العامرية أنها
تحترم زوجها ولا تأكل معه على مائدة واحدة من الحياء, ولا تناديه باسمه بل باسم
ولده البكر أو والده, ولا تنام الا بعد عودة زوجها.
ومن عادات الزواج القديمة لدى قبيلة بني عامر
(الملالحة) أنه بعد اليوم السابع تخرج العروس من البرزة , وتذهب ومعها جره تملأها
من عين الماء , وتأخذ معها شعير ونبات له رائحة عطريه أوقرنفل , وتلقي الشعير
والنبتة العطرية في الماء وتملئ جرتها , وكانت هذه الطقوس يقومون بها وتحمل
مدلولات , فالشعير كناية عن الخصب حتى تنجب أولاد , والماء كناية عن الحياة حتى
تمتد بهم الحياة وطول العمر , والرائحة الحلوة كناية عن حياتهم الحلوة والمحبة.
وبعد الأسبوع الأول يترك العروسان البرزه وتنتقل
للعيش مع بيت الأسرة الكبير. ثم تخرج العروس مع عرسيها لزيارة أهلها ويذبح لهم
ويتركها عند أهلها لزيارتهم .
وهكذا تنتهي هذه المراسم الجميلة للعرس ,
والزوجين تبدأ حياتهم .
بقلم :
الباحث حسام أبوالعوايد العامري